languageFrançais

السياسة والاتصال زمن الهواة.. كيف تحوّل 'موقف عائلي' إلى أزمة؟

ما تزال حادثة الطائرة بين الرئيس إيمانويل ماكرون وسيّدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون تسيل الكثير من الحبر، وتحظى باهتمام مختلف وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية، وتضجّ بها مواقع التواصل الإجتماعي أين أصبحت مادّة دسمة للتندّر. 

زمام الأمور أفلتت من الطاقم الإتصالي للإيليزي منذ أن كّذب، بصفة يعتقد العديدون أنّها كانت متسرّعة صحّة الفيديو، الذي ظهرت فيه زوجة الرئيس وهي تدفعه بيدها بقوة على وجهه في اللحظة التي فتح فيها باب الطائرة لدى وصولهما إلى مطار هانوي في الفيتنام،  قبل العدول عن ذلك والتأكيد بأنّها كانت  لحظة "تخفيف ضغط ومشاحنة عائلية".

"تضليل"
وفي حديث للصحفيين لاحقا، حاول الرئيس الفرنسي جاهدا "تبرير" هذا الموقف الذي بدا فيه محرجا ومنزعجا، ملقيا باللوم على من وصفهم بالمجانين (fada  و Maboul) والذين يروّجون لـ "حماقات".

واستحضر تسجيلي فيديو آخرين ظهر في أحدهما رفقة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرز،  وهو يخفي منديلا ورقيا أبيض  وقيل إنّه كيس كوكايين.

بينما أظهره الفيديو الآخر في مصافحة غير اعتيادية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة الألبانية تيرانا، أثارت بدورها جدلا.

وقال ماكرون إنّ التساجيل الثلاثة حقيققة ولكنّ ما رُوّج حولها محض كذب وافتراء، داعيا إلى "الهدوء" والإلتفات إلى الأخبار الحقيقية. 

"عبث"
اللوم اتّجه في الدرجة الأولى إلى الفريق الاتصالي للرئيس بتكذيب أمر حدث ووثقته الكاميرات في مناسبة رسمية عامة، ويصفه الدكتور في الانثروبولوجيا والمختص في التواصل السياسي كريم بوزويتة بأنّه اتصال هواة ويعتبره "عبثا".

كما يرى بأنّ ماكرون نفسه يتحمّل مسؤولية في تحويل حادثة يمكن أن تكون عابرة وعادية بين زوجين إلى أزمة، وأنه كان أحرى به التعليق على ما حدث بأنّه  مسألة شخصية وعائلية، مما قد يساهم في تهدئة الضجيج الإعلامي والضوضاء على وسائل التواصل الإجتماعي.

"اكتساح الهواة لأعلى المستويات في الدول"
يقول كريم بوزويتة إنّ هذا العبث يتجاوز الإتصال الحكومي والسياسي، وهو وفق وجهة نظره، مؤشّر على تدهور "الجودة السياسية" حتى في الدول التي كان يطلق عليها دولا عظمى.

ويمضي في تحليله بالقول بأنّ مؤشّر اكتساح الهواة لأعلى المسؤوليات في هذه الدول، يتّضح جليا في تعامل "هؤلاء" مع المسألة الاتصالية ليس كحق للمواطن في المعلومة ومعرفة كيف يتّخذ الحاكم قرارته وتحديد السياسات العمومية في مختلف المجالات، ولكنهم يعتبرونه مجرّد وسيلة لصنع سردية عاطفية تمكّنهم من كسب الإنتخابات وتجعلهم يمررون أقسى القرارات ضدّ شعوبهم ومصلحتهم وبرضاء شعوبهم بمجرد تقديم "قصّة حب بين رئيس وزوجته"، عوضا عن سرد معلومات مهمّة.

ويرى بأنّ الحدث نال حجما أكثر من حجمه الحقيقي في الفضاء العام وهي معلومة عديمة الجودة لا منفعة فيها للجمهور لأنّه في نهاية المطاف ليس إلاّ حدثا يتعلّق بالحياة الخاصة لإيمانويل ماكرون وزوجته وليست الحياة العامة لرئيس فرنسا والسيدة الأولى، وهي مهمّة شبه رسمية وترصد لها ميزانية.

ومن جانب طاقم إدارة الإتصال حول الرئيس، فيعتبر بوزويتة بأنّه ينمّ عن عدم حرفية وأنّ إنكار حدث جدّ أمام عدسات المصوّرين والصحفيين هو نوع من الهواية.

تأثير ستريساند 
وتابع قوله: "بعد النفي يأتي التأكيد مما ساهم في إعطاء الحادثة حجما أكبر من حجمها، وهو ما يطلق عليه بـ effet streisand، نسبة إلى المغنية الأمريكية  Barbra Streisand".

و تأثير ستريساند هي ظاهرة اجتماعية تحدث عندما تؤدي محاولة إخفاء أو قمع أو إزالة معلومة معيّنة إلى نتيجة عكسية، أي إلى زيادة الاهتمام بهذه المعلومة وانتشارها بشكل أوسع بكثير مما لو تُركت دون تدخل.

وهذا بالتحديد ما حدث مع الرئيس الفرنسي، عندما تمّ نفي صحّة الفيديو المتداول  ثمّ تأكيده، ويرى بأنّه لو تمّ اللجوء إلى بعض "المصداقية"، لكان من الممكن تجاوز المسألة وعدم تحويلها إلى أزمة.

"فهؤلاء (الهواة في الإتصال والسياسة) لديهم سردية معينة يروّجُون لها...وتكمن فلسفتهم  في إيجاد أفضل سردية لبلوغ أهدافهم". وتابع بأنّ "احترام ذكاء شعوبهم ليس من ضمن الإعدادات (paramètres) التي يعتمدونها".

ويعتقد بأنّ هؤلاء "الهواة" يتحمّلون المسؤولية المباشرة في تحويل الموقف إلى أزمة، لأنّهم لم يضعوا في اعتبارهم ضرورة وضع خطة اتصالية للمخاطر المحتملة (communication de risques) تتضمّن سيناريوهات لتفادي حدوث أزمة.

إشكال في الكفاءة السياسية
ويضيف المختصّ في التواصل السياسية أنّ الأمر يتجاوز أن يكون مشكلا اتصاليا بل إشكال يتعلّق بالكفاءة السياسية أيضا، ضمن سياق دخول "الهواة" إلى المشهد السياسي العالمي، والذين باتوا يتلاعبون بمصير شعوبهم تماما "كطفل أُهديَ لعبة وانطلق في اللهو بها وتخريبها" أو كمن أراد اللهو بولاعة فأحرقته، حسب وجهة نظره.

ولطالما كانت علاقة ماكرون بزوجته وقصّة الحب بينهما رغم الفارق الكبير في السنّ، أحد المحاور الإتصالية التي اشتغل عليها الرئيس الفرنسي ، الذي لم يكن صاحب مسيرة سياسية بناها على امتداد سنوات.  

شكري اللّجمي

__________
تأثير ستريساند: أصل التسمية
تمت تسمية هذا التأثير على اسم المغنية والممثلة الأمريكية باربرا ستريساند. ففي عام 2003، رفعت دعوى قضائية ضد مصوّر أراد إزالة صورة جوية لمنزلها من أرشيف عام يوثق تآكل السواحل في كاليفورنيا. قبل الدعوى، لم يكن أحد مهتمًا بالصورة، ولم تُشاهَد إلا عددًا قليلًا من المرات. لكن بعد الدعوى، انتشرت الصورة على نطاق واسع، وشوهدت عشرات الآلاف من المرات، بسبب الضجة التي أحدثتها المحاولة الفاشلة لإخفائها.